كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الثاني: أنّ قلب، العصا ثعبانًا كان في آن واحد ولم يره من لم يكن في ذلك المكان، وأما القرآن فقد وصل إلى المشرق والمغرب وسمعه كل أحد، وهاهنا لطيفة: وهي أنّ آيات نبينا صلى الله عليه وسلم كانت أشياء لا تختص بمكان دون مكان لأنّ من جملتها انشقاق القمر وهو يعم الأرض لأنّ الخسوف إذا وقع عمّ وذلك لأنّ نبوّته كانت عامّة لا تختص بقطر دون قطر، وغاض بحر ساوة في قطر وسقط إيوان كسرى في قطر، وانهدمت الكنيسة بالروم في قطر آخر إعلامًا بأنه يكون أمرًا عامّا، الثالث: أنّ غير هذه المعجزة يقول الكافر المعاند هذا سحر وعمل يد والقرآن لا يمكن هذا القول فيه، وقال أبو العباس المرسي: خشع بعض الصحابة من سماع بعض اليهود يقرأ التوراة فعوتبوا إذ تخشعوا من غير القرآن وهم إنما تخشعوا من التوراة وهي كلام الله تعالى فما ظنك بمن أعرض عن كتاب الله وتخشع بالملاهي والغناء، ولما كان هذا القرآن أعظم من كل آية يقترحونها قال تعالى: {إن في ذلك} أي: إنزال الكتاب على هذا الوجه البعيد المنال البديع المثال {لرحمة} أي: نعمة عظيمة في كل لحظة وتطهيرًا لخبث النفوس في كل لمحة {وذكرى} أي: عظيمة مستمرًّا تذكرها، ولما عمّ بالقول خص من حيث النفع فقال: {لقوم يؤمنون} لأنهم المنتفعون بذلك، ولما كان من المعلوم أنهم يقولون: نحن لا نصدق أنّ هذا الكتاب من عند الله فضلًا عن أن نكتفي به قال تعالى: {قل} أي: جوابًا لما قد يقولونه من نحو هذا {كفى بالله} أي: الحائز لجميع العظمة وسائر الكمالات {بيني وبينكم شهيدًا} أني قد بلغتكم ما أرسلت به إليكم ونصحتكم وأنذرتكم وأنهم قابلوني بالجحد والتكذيب وقد صدقني بالمعجزات، وروي أنّ كعب بن الأشرف وغيره قالوا يا محمد من يشهد لك أنك رسول الله فنزلت، ثم وصف الشهيد وعلل كفايته بقوله: {يعلم ما في السموات} أي: كلها {والأرض} أي: كذلك لا يخفى عليه شيء من ذلك فهو عليم بما تنسبونه إليه من التقوّل عليه وبما أنسبه أنا إليه من هذا القرآن الذي يشهد لي به عجزكم عنه فهو شاهدي، والله في الحقيقة هو الشاهد لي فيه بالثناء عليّ والشهادة لي بالصدق لأنه قد ثبت بالعجز عنه أنه كلامه.
ولما بين تعالى الطريقين في إرشاد الفريقين المشركين وأهل الكتاب عاد إلى الكامل الشامل لهما والإنكار العامّ فقال: {والذين آمنوا بالباطل} أي: وهو ما يعبد من دون الله {وكفروا بالله} أي: الذي يجب الإيمان به والشكر له لأنّ له الكمال كله وكل ما سواه هالك ليس له من ذاته إلا العدم {أولئك} أي: البعداء البغضاء {هم الخاسرون} أي: العريقون في الخسارة فإنهم خسروا أنفسهم أبد الآبدين، فإن قيل: قوله: {أولئك هم الخاسرون} يقتضي الحصر في من آمن بالباطل وكفر بالله فمن يأتي بأحدهما دون الآخر لا يكون كذلك؟
أجيب: بأنه يستحيل أن يكون الآتي بأحدهما لا يكون آتيًا بالآخر لأنّ المؤمن بما سوى الله تعالى مشرك لأنه جعل غير الله مثله وغير الله عاجز ممكن باطل فيكون الله تعالى كذلك ومن كفر بالله تعالى وأنكره فيكون قائلًا بأنّ العالم واجب الوجود إله فيكون قائلًا بأنّ غير الله إله فيكون إثباتًا لغير الله وإيمانًا به.
فإن قيل: إذا كان الإيمان بما سواه كفرًا به فيكون كل من آمن بالباطل فقد كفر بالله فهل لهذا العطف فائدة غير التأكيد الذي في قول القائل قم ولا تقعد وأقرب مني ولا تبعد؟
أجيب: بأنّ فيه فائدة غيرها وهو أنه ذكر الثاني لبيان قبح الأوّل كقول القائل: أتقول بالباطل وتترك الحق لبيان أنّ القول بالباطل قبيح، ولما أنذرهم صلى الله عليه وسلم وأوعد بالعذاب إن لم يؤمنوا أخبر الله تعالى عنهم بقوله تعالى: {ويستعجلونك بالعذاب} نزلت في النضر بن الحارث حين قال: فأمطر علينا حجارة من السماء إن كنت من الصادقين ويجعلون تأخيره عنهم شبهة لهم فيما يزعمون من التكذيب {ولولا أجل مسمى} قد ضرب لوقت عذابهم فلا تقدّم فيه ولا تأخر {لجاءهم العذاب} وقت استعجالهم لأنّ القدرة تامّة والعلم محيط {وليأتينهم بغتة} أي: فجأة في الدنيا كوقعة بدر أو الآخرة عند نزول الموت بهم {وهم لا يشعرون} بل هم في غاية الغفلة عنه والاشتغال بما ينسيه، ثم زاد في التعجب من جهلهم بقوله تعالى مبدلًا:
{يستعجلونك بالعذاب} أي: يطلبون منك إيقاعه بهم ناجزًا ولو كان في غير وقته الأليق به ولو علموا ما هم صائرون إليه لتمنوا أنهم لم يخلقوا فضلًا عن أن يستعجلوا، ولأعملوا جميع جهدهم في الخلاص منه {وإنّ جهنم} التي هي من عذاب الآخرة {لمحيطة بالكافرين} أي: ستحيط بهم يوم يأتيهم العذاب أو هي كالمحيطة بهم الآن لإحاطة الكفر والمعاصي التي توجبها بهم، وأتى بالظاهر موضع المضمر تنبيهًا على ما استحقوا به عذابها وتعميمًا لكل من اتصف به، ثم ذكر تعالى كيفية إحاطة جهنم بقوله عز وجل.
{يوم يغشاهم العذاب} أي: يلحقهم ويلصق بهم {من فوقهم ومن تحت أرجلهم} فعلم بذلك إحاطته من جميع الجوانب، فإن قيل: لم خص الجانبين ولم يذكر اليمين والشمال وخلف وقدّام؟
أجيب: بأنّ المقصود ذكر ما تتميز به نار جهنم عن نار الدنيا ونار الدنيا تحيط بالجوانب الأربعة فإنّ من يدخلها تكون الشعلة قدّامه وخلفه ويمينه ويساره، وأمّا النار من فوق فلا تنزل وإنما تصعد من أسفل في العادة وتحت الأقدام لا تبقى الشعلة بل تنطفئ الشعلة التي تحت القدم ونار جهنم تنزل من فوق ولا تنطفئ بالدوس موضع القدم.
فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى: {من فوقهم ومن تحت أرجلهم} ولم يقل من فوق رءوسهم ولا قال من فوقهم ومن تحتهم بل ذكر المضاف إليه عند ذكر تحت ولم يذكره عند ذكر فوق؟
أجيب: بأن نزول النار من فوق سواء كان من سمت الرأس أم من موضع آخر عجب لأنّ طبع النار الصعود إلى فوق فلهذا لم يخصه بالرءوس، وأمّا بقاء النار تحت القدم فهو عجب وإلا فمن جوانب القدم في الدنيا تكون الشعلة فذكر العجيب وهو ما تحت الأرجل حيث لم ينطفئ بالدوس، وأمّا فوق فعلى الإطلاق وقوله تعالى: {ونقول} قرأ نافع والكوفيون بالياء أي: الموكل بالعذاب من ملائكته بأمره، والباقون بالنون أي: نأمر بالعذاب، ولما بين عذاب أجسامهم بين عذاب أرواحهم وهو أن يقال لهم على سبيل التنكيل والإهانة {ذوقوا ما كنتم تعملون} جعل ذلك عين ما كانوا يعملون مبالغة بطريق اسم المسبب على السبب فإن عملهم كان سببًا لعذابهم وهذا كثير في الاستعمال، ولما ذكر تعالى حال المشركين على حدة وحال أهل الكتاب على حدة وجمعهما في الإنذار وجعلهما من أهل النار اشتدّ عنادهم وزاد فسادهم وسعوا في إيذاء المؤمنين ومنعهم من العبادة قال تعالى: {يا عبادي الذين آمنوا} فشرفهم بالإضافة إليه {إن أرضي واسعة} أي: في الذات والرزق وكل ما تريدون من الرفق إن لم تتمكنوا بسبب هؤلاء المعاندين الذين يفتنونكم في دينكم، قال مقاتل والكلبي: نزلت في ضعفاء مسلمي مكة يقول الله تعالى: إن كنتم في ضيق بمكة من إظهار الإيمان فاخرجوا منها فإنّ أرض المدينة واسعة آمنة وقال مجاهد: إن أرضي واسعة فهاجروا وجاهدوا وفيها، وقال سعيد بن جبير: إذا عمل في أرض بالمعاصي فاخرجوا منها فإن أرضي واسعة، وكذا يجب على كل من كان في بلد يعمل فيها بالمعاصي ولا يمكنه تغيير ذلك أن يهاجر إلى حيث تتهيأ له العبادة ولكن صارت البلدان في زماننا كلها متساوية فلا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.
وقرأ بفتح الياء ابن عامر، والباقون بتسكينها، وقيل نزلت في قوم تخلفوا عن الهجرة بمكة وقالوا: نخشى إن هاجرنا من الجوع وضيق المعيشة فأنزل الله تعالى هذه الآية ولم يعذرهم بترك الخروج، وقال مطرف بن عبد الله: أرضي واسعة يعني رزقي لكم واسع فاخرجوا، روى الثعلبي عن الحسن البصري مرسلًا: «من فرّ بدينه من أرض إلى أرض ولو كان شبرًا استوجب الجنة، وكان رفيق إبراهيم ومحمد صلوات الله وسلامه عليهما».
تنبيه: قوله تعالى: {يا عبادي} لا يدخل فيه الكافر لوجوه:
الأوّل: قوله تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} والكافر تحت سلطنة الشيطان فلا يدخل في قوله تعالى: {يا عبادي}.
الثاني: قوله تعالى: {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله}.
الثالث: أنّ العباد مأخوذ من العبادة والكافر لا يعبد الله فلا يدخل في قوله تعالى: {يا عبادي} وإنما يختص بالمؤمنين الذين يعبدونه، الرابع: الإضافة بين الله تعالى والعبد يقول العبد إلهي ويقول الله عبدي، فإن قيل: إذا كان عباده لا يتناول إلا المؤمنين فما الفائدة في قوله: {الذين آمنوا} مع أن الوصف إنما يذكر لتمييز الموصوف كما يقال: يا أيها المكلفون المؤمنون، يا أيها الرجال العقلاء تمييزًا بين الكافر والجاهل؟
أجيب: بأنّ الوصف يذكر لا لتمييز بل لمجرّد بيان أنّ فيه الوصف كما يقال: الأنبياء المكرمون، والملائكة المطهرون، مع أن كل نبيّ مكرم، وكل ملك مطهر، وإنما يقال لبيان أن فيهم الإكرام والطهارة، ومثله قولنا، الله العظيم فههنا ذكر لبيان أنهم مؤمنون ولما كانت الإقامة بمكة قبل الفتح مودّية إلى الفتنة قال تعالى: {فإياي} أي: خاصة بالهجرة إلى أرض تأمنون فيها {فاعبدون} أي: وحدون وإن كان بالهجرة وكانت هجرة الأهل والأوطان شديدة، فإن قيل: قوله تعالى: {يا عبادي} يفهم منه كونهم عابدين فما الفائدة في الأمر بالعبادة؟
أجيب: بأنّ فيه فائدتين أحداهما: المداومة أي: يا من عبدتموني في الماضي اعبدوني في المستقبل، الثانية: الإخلاص أي: يا من تعبدني أخلص العمل لي ولا تعبد غيري، فإن قيل ما معنى الفاء في فاعبدون؟
أجيب: بأن الفاء جواب شرط محذوف لأنّ المعنى إنّ أرضي واسعة فإن لم تخلصوا العبادة لي في أرضي فأخلصوها في غيرها، ولما أمر الله تعالى عباده بالحرص على العبادة وصدق الاهتمام بها حتى يتطلبوا لها أوفق البلاد وإن بعدت وشق عليهم ترك الأوطان ومفارقة الإخوان خوّفهم بالموت لتهون عليهم الهجرة بقوله تعالى: {كل نفس ذائقة الموت} أي: كل نفس مفارقة ما ألفته حتى بدنًا طالما لبسته وأنسها وأنسته فإن أطاعت ربها أنجت نفسها ولم تنقصها الطاعة من الأجل شيئًا وإلا أوبقت نفسها ولم تزدها المعصية في الأجل شيئًا فإذا قدّر الإنسان أنه ميت سهلت عليه الهجرة فإنه إن لم يفارق بعض مألوفه بها فارق كل مألوفه بالموت، وقد ورد «أكثروا من ذكر هادم اللذات» أي: الموت فإنه ما ذكر في قليل أي: من العمل إلا كثره ولا ذكر في كثير أي: من أمل الدنيا إلا قلله، ولما هوّن أمر الهجرة حذر من رضي في دينه بنقص شيء من الأشياء حثًا على الاستعداد بغاية الجهد في التزّود للمعاد بقوله تعالى: {ثم إلينا ترجعون} على أيسر وجه فنجازي كلًا منكم بما عمل، وقرأ أبو بكر بالياء التحتية، والباقون بالتاء الفوقية.
{والذين آمنوا وعملوا} أي: تصديقًا لإيمانهم {الصالحات لنبؤنهم} أي: لننزلنهم {من الجنة غرفًا} أي: بيوتًا عالية، قال البقاعي: تحتها قاعات واسعة، وقرأ حمزة والكسائي بعد النون بثاء مثلثة ساكنة وبعدها واو مكسورة وبعد الواو ياء مفتوحة أي: لنثوينهم أي: لنقيمنهم من الثواء وهو الإقامة يقال ثوى الرجل إذا أقام فيكون انتصاب غرفًا لإجرائه مجرى لننزلنهم، أو بنزع الخافض اتساعًا أي: في غرف أو تشبيه الظرف المؤقت بالمبهم كقوله: {لأقعدنّ لهم صراطك} (الأعراف: 16) والباقون بعد النون بباء موحدة وبعدها واو مشدّدة وبعد الواو همزة مفتوحة وعلى هذه القراءة فانتصابها على أنها مفعول ثان لأنّ بّوأ يتعدّى لاثنين، قال الله تعالى: {تبوّئ المؤمنين مقاعد للقتال} ويتعدّى باللام قال تعالى: {وإذ بوّأنا لإبراهيم} (الحج: 26) ولما كانت العلالي لا تروق إلا بالرياض قال تعالى: {تجري من تحتها الأنهار} ومن المعلوم أنه لا يكون في موضع أنهار إلا أن يكون فيه بساتين كبار وزروع ورياض وأزهار فيشرفون عليها من تلك العلالي، ولما كانت بحالة لا نكر فيها يوجب هجرة في لحظة ما كنى عنه بقوله تعالى: {خالدين فيها} أي: لا يبغون عنها حولًا، ثم عظم أمرها وشرف قدرها بقوله تعالى: {نعم أجر العاملين} أي: هذا الأجر وهذا في مقابلة قوله تعالى للكافر: {ذوقوا ما كنتم تعملون} (العنكبوت: 55) ثم وصفهم بما يرغب في الهجرة بقوله تعالى: {الذين صبروا} أي: أوجدوا هذه الحقيقة حتى استقرّت عندهم فكانت سجية لهم فأوقفوها على كل شاق من التكاليف من هجرة وغيرها فإنّ الإنسان قل أن ينفك عن أمر شاق ينبغي الصبر عليه، ثم رغب في الاستراحة بالتفويض إليه بقوله تعالى: {وعلى ربهم} أي: المحسن إليهم وحده لا على أهل ولا وطن {يتوكلون} أي: يوجدون التوكل إيجادًا مستمرًّا لتجديد كل مهم يعرض لهم، ولما أشار بالتوكل إلى أنه الكافي في أمر الرزق في الوطن والغربة لا مال ولا أهل قال عاطفًا على ما تقديره فكأين من متوكل عليه كفاه ولم يحوجه إلى أحد سواه فليبادر من أنقذه من الكفر وهداه إلى الهجرة طلبًا لرضاه.
{وكأين من دابة} أي: كثير من الدواب العاقلة وغيرها {لا تحمل} أي: لا تطيق أن تحمل {رزقها} أي: لا تدخر شيئًا لساعة أخرى لأنها قد لا تدرك نفع ذلك وقد تدركه وتتوكل، وعن الحسن: لا تدخر إنما تصبح فيرزقها الله تعالى، وعن ابن عيينة: ليس شيئًا يخبأ إلا الإنسان والنملة والفارة، وعن بعضهم قال رأيت البلبل يدخر في حنية، ويقال للعقعق مخابئ إلا أنه ينساها أو لا تجده أو لا تطيق حمله لضعفها، ثم كأنه قيل فمن يرزقها فقيل {الله} أي: المحيط علمًا وقدرة المتصف بكل كمال {يرزقها} على ضعفها وهي لا تدخر {وإياكم} مع قوتكم وادخاركم واجتهادكم لا فرق بين ترزيقه لها على ضعفها وعدم ادخارها، وترزيقه لكم على قوتكم وادخاركم فإنه هو المسبب وحده فإنّ الفريقين تارة يجدون وتارة لا يجدون فصار الإدخار وعدمه غير معتدّ به ولا منظورًا إليه، وقرأ ابن كثير بعد الكاف بألف وبعد الألف همزة مكسورة، والباقون بعد الكاف همزة مفتوحة وبعدها ياء مشدّدة، ووقف أبو عمرو على الياء، ووقف الباقون على النون، وحمزة في الوقف يسهل الهمزة على أصله.
تنبيه: كأين كلمة مركبة من كاف التشبيه وأي: التي تستعمل استعمال من وما ركبتا وجعل المركب بمعنى كم ثم لم تكتب إلا بالنون ليفصل بين المركب وغير المركب لأنّ كأي تستعمل غير مركبة كما يقول القائل: رأيت رجلًا كأيّ رجل يكون وحينئذٍ لا يكون كأي: مركبًا فإذا كان كأيّ هاهنا مركبًا كتب بالنون للتمييز {وهو السميع} لأقوالكم نخشى الفقر والضيعة {العليم} بما في ضمائركم.
واختلف في سبب نزول هذه الآية فعن ابن عمر أنه قال دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطًا من حوائط الأنصار: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتقط الرطب بيده ويأكل فقال «كل يا ابن عمر» قلت: لا أشتهيه يا رسول الله قال لكني أشتهيه وهذه صبح رابعة لم أطعم طعامًا ولم أجده فقلت: يا رسول الله إن الله المستعان فقال: «يا ابن عمر لو سألت ربي لأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر أضعافًا مضاعفة ولكني أجوع يومًا وأشبع يومًا فكيف بك يا ابن عمر إذا عمرت وبقيت في حثالة من الناس يخبئون رزق سنة ويضعف اليقين» فنزلت {وكأين من دابة}.